ريدي مشّو: دراسة الوضع الصحي في شمال وشرق سوريا

ريدي مشّو: دراسة الوضع الصحي في شمال وشرق سوريا

Shar Development 30-03-2022 21:45 0

دراسة الوضع الصحي في شمال وشرق سوريا

ريدي مشّو 

مدخل:

بعد احدى عشر سنة من الحرب المستمرة، يمكن القول ان السوريين جميعا بحاجة ماسة على العناية الصحية بمختلف جوانبها التي تشمل الصحة الجسدية والنفسية على حد سواء. أن دراسة الوضع الصحي تفصيلا يتطلب دراسة شاملة لمختلف الجوانب الصحية التي قد تتباين من مدينة لأخرى، لكنها تتماثل جميعا، وفق التقارير الدولية والمحلية، بنقص الخدمات الصحية وضعف جودتها الأمر الذي، من أجل تفسيره وتحليله، علينا البحث مطولا في مجمل المسائل ذات الصلة، ومنها المسألة الأقتصادية التي لا تني تسوء يوما بعد آخر في شمال وشرق سوريا عموما، ما يحمل المواطنين طغوطا اضافية تتعلق بتكلفة الأدوية والمعاينة الطبية، هذا دون الحديث عن الامراض المزمنة كالسرطان وغسيل الكلى وغيرها من الأمراض التي تثقل كاهل المواطنين.

يعيش في شمال وشرق سوريا ما يناهز 4 ملايين نسمة من المقيمين والنازحين بحسب تقارير مفوضية شؤون اللاجئين، العدد الأكبر منها بحاجة الى العناية الصحية من مختلف الجوانب، وفي ظل تدهور الظروف الاقتصادية، وسوء الادارة والفساد، ونقص الكوادر الطبية وقلة خبرتهم، وقلة التواصل بين الهيئات الصحية، وعدم وجود سياسات واضحة للعمل الصحي، اضافة الى عدم الاستقرار الامني في كثير من المناطق، خصوصا في دير الزور، ووجود عدد كبير من مخيمات النازحين في المنطقة، خصوصا مخيم الهول الذي يشكل رعبا لكل من يعمل فيه، بمن فيهم كودار الرعاية الصحية كل ذلك يعقد شكل ودرجة الاستجابة المرجوة لاصلاح وتعزيز القطاع الصحي الآخذ بالتدهور يوما بعد يوم لأسباب داخلية وخارجية، سنعرج عليها في هذه الدراسة واحدة بواحدة. تشير تقارير برامج تقييم الاحتياجات الانسانية العائد للأمم المتحدة ( HNAP) أن 55 % من الاسر في شمال وشرق سوريا تضم فردا عاجزا، وأنه يضاف شهريا ما يناهز 30000 ألف شخص عاجز الى قائمة العاجزين في مجمل سوريا، وذلك بسبب تبعات الحرب من تفجيرات والغام، وغيرها من انماط العنف بين الافراد والمجموعات، وحالات العجز الناجمة من الامراض غير المعالجة مثل الجلطات الدماغية ومرض السكري المزمن وغيرها من الأمراض. 1

في 14 تموز 2014 اقر مجلس الأمن في الامم المتحدة قرار رقم 2165 منحت به الوكالات الانسانية العائدة للأمم المتحدة وشركاءها من تقديم المساعدات الانسانية عبر اربع معابر حدودية من أجل" ايصال المساعدات الانسانية بما فيها الأدوية الى ذوي الحاجة في جميع انحاء سوريا"و كانت تلك المعابر " باب الهوى" وباب السلام" على الحدود السورية التركية، ومعبر الرمثا على الحدود السورية الاردنية، ومعبر اليعربية على الحدود العراقية السورية. شكلت هذه الخطوة مهمة في العمل الانساني وسد مختلف الاحتياجات، لكن مؤخرا، وبعد تدخل روسيا والصين واستخدام الفيتو في مجلس الأمن بخصوص تقديم المساعدات الانسانية عبر المعابر الحدودية الأربعة، وبذلك تم الاقتصار على معبر واحد هو معبر باب الهوى الذي تم تمديد العمل به ستة أشهر أضافية، هذا ما شكل ضغطا اضافيا على العمل الانساني من حيث التنفيذ والتخطيط، ويمكن القول أن المنطقة الأكثر تضررا من هذا القرار هي شمال وشرق سوريا، التي تزداد فيها الاحتياجات الصحية باستمرار، وبالتالي لم يعد أمام المواطنين سوى ما يقدمه النظام من دمشق، أو ما يصل إليها من باب الهوى، وكلا المسارين محفوف بالمخاطر، وهو ما حدث قبل أشهر عندما اغلق النظام السوري المعبر الداخلي الرئيسي بينه وبين شمال وشرق سوريا، ويتم التحكم بنصيب المنطقة من مساعدات الامم المتحدة من قبل المواليين لتركيا في الشمال الغربي. وبالتالي فمنذ اغلاق معبر اليعربية في آذار 2018، وبالرغم من عودة المساعدات الامريكية في عهد الرئيس بايدن إلا أن تأثيرات توقيف الدعم عن المنطقة ستستمر حتى سنة 2022.  1

بالرغم من الصعوبات المذكورة بخصوص المساعدات الدولية واشكالية المعابر، إلا أن الوضع الصحي يواجه تحديات داخلية لا تقل أهمية منها،  وتختصر بغياب اطار العمل الواضح من حيث التخطيط والسياسات الصحية المنسجمة مع الوضع والتحديات التي تواجهها المنطقة، وكذلك غياب أليات التنسيق الواضح بين مختلف الفاعلين المحليين والدولين في قطاع الصحة يعد تحديا حقيقيا في تنمية هذا القطاع من اجل الاستجابة للاحتياجات المتزايدة، ويبدو أن الحاجة على التنسيق تزداد في غياب الموارد المادية الضرورية لبناء المرافق الصحية الضرورية وتطوير البنية الصحية في المنطقة، على أنه لا ينبغي اهمال تأثير عدم الاستقرار الأمني في بعض المناطق مثل دير الزور وبعض مناطق الرقة على تنمية القطاع الصحي هناك وتوفير الخدمة الصحية لمجمل المواطنين، اذ ان تردد الداعمين في بناء المشافي والمستوصفات في تلك المناطق لم يزل قائما، والوضع الأمني القلق يصعب تحرك المواطنين من المناطق الريفية الى المدينة من أجل العلاج أو استجابة للحالات الاسعافية، خصوصا في ساعات المساء والليل، ونتيجة لهذه التهديدات والتحديات الأمنية يتم تركيز الخدمات الصحية\ الطبية في المدن خصوصا دون المناطق الريفية ما يجعل أهل الريف مهمشين من هذه الخدمات لحد ما، ونتيجة هذا التوزيع غير المتناظر للخدمات في الريف والمدينة وصعوبة التنقل في بعض المناطق، يمكن تخيل مدى الصعوبة والمشقة التي قد يلاقيها النساء والفتيات خصوصا لتلقي الخدمات الطبية  في أماكن بعيدة، وكذلك ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرهم، ناهيك عن تكاليف التنقلات بين المناطق التي غدت مكلفة بشكل ملحوظ لدرجة اصبح السائقون يسعرون اجرتهم بالدولار وليس بالليرة السورية.

قلة الدعم الصحي والطبي المكفول من قبل الحكومة، يلقي اعباء اضافية على المواطنين الذين  لا يبق أمامهم غير العيادات الخاصة والمشافي الخاصة المكلفة جدا بالنسبة للشريحة العظمى من المواطنين في المنطقة نازحين كانوا أم مقيمين.

وقد ذكرنا مجمل التحديات والصعوبات التي تواجه القطاع الصحي في شمال وشرق سوريا عموما، سنعرج الآن الى بيانات اكثر دقة حول الوضع الصحي، وعندما نقول اكثر دقة فالأمر لا يزال معقدا، ان تم اعتماد بيانات وزارة الصحة في الادارة الذاتية وحدها، لأن هناك تضارب بين الواقع وبين البيانات المذكورة في كثير من الأحيان، لذا سنعتمد على بيانات الوزارة الى جانب بيانات تم جمعها وتحليلها من ملفات وتقارير منظمات غير حكومية تعمل في المنطقة، لكن لا يزال هناك حاجة ماسة الى دراسة ميدانية معمقة لتقييم الوضع الصحي من مختلف الجوانب الادارية واللوجستية.

المرافق الصحية\الطبية في شمال وشرق سوريا:

توصي الامم المتحدة أن يكون لكل 250000 نسمة مشفى تغطي احتياجاتهم الطبية والصحية المختلفة، وانطلاقا من هذه التوصية يمكن تقييم مدى تلبية الاحتياجات الصحية في المنطقة، في مختلف المدن والبلدات.  وفق بيانات وزارة الصحة في الادارة الذاتية يوجد ما يناهز 15 مشافي عامة في كامل المنطقة، أربعة منها في دير الزور، واثنين في الرقة وواحد في المنبج وما تبقى في اقليم الجزيرة، أما المشافي الخاصة في المنقطة فعددها أكبر بكثير من المشافي العامة، بالاضافة الى المستوصفات الطبية العامة المنتشرة في المدن والبلدات تختصر فعاليتها على المعاينات والاسعافات الاولية البسيطة، وبعضها غير فعال ولا يعمل في الوقت الحالي. ان تتبعنا البيانات المحصول عليها من قبل وزارة الصحة في الادارة الذاتية، نجد أن ما يعادل نصف الخدمات الصحية من ادارة المشافي والمستوصفات والنقاط الطبية تقوم بها منظمات دولية أو محلية بما يعادل 40 -45% من مجمل المرافق الصحية، ويمكن القول أن المرافق التي تديرها المنظمات الدولية وغيرها من المنظمات غير الحكومية هي الأكثر تخديما، وذلك وفق بيانات وزارة الصحة في الادارة الذاتية، مثلا كلا المشفيين الرئيسين في الرقة تديرها منظمات دولية ومحلية (MSF, Syria relief) وجميع الستوصفات والنقاط الطبية في مدينة كوباني تديرها المنظمات الدولية. أن الاعتماد شبه التام على المنظمات الدولية في ادارة المرافق الصحية ينبئ بصعوبات جمة في هذا القطاع، اذا ان عملها واستمراريتها متوقف على الدعم الخارجي بالدرجة الأولى والمنح التي قد لا تكون دائمة او تتباين كما من فترة لأخرى، وبذلك تصبح حالة الاستقرار في القطاع الصحي في المنطقة أمرا صعبا، وقلة التخطيط وغياب الاستراتيجية الصحية في مختلف المدن أمرا واردا باستمرار. كما أن العدد الأكبر من المستوصفات والمشافي لا يوجد فيها غرف جراحية أو معدات لازمة للاسعافات الأولية الحرجة التي تستلزم تدخلا جراحيا عاجلا، وكما يقول طبيب في دير الزور، فان معظم المشافي والمستوصفات في المنطقة تفتقر الى سيارات الاسعاف، وهذا يسبب وفاة عدد كبير من المرضى قبل الوصول الى المشفى (من تقرير اطباء لأجل حقوق الانسان)، في الرقة مثلا التي تضم ما يناهز 900000 نسمة وبضم تعداد السكان في دير الزور، ونعني القسم التي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، يصبح مجمل العدد حوالي مليون ونصف المليون نسمة، في حين لا يوجد أكثر من ست مشافي عامة لخدمة كل هؤلاء الناس، على الأقل اربعة منها غير مجهزة بشكل جيد، الى جانب المستوصفات التي لا تقدم العناية الفائقة أو خدمات التدخل الاسعافي الجراحي ان لزم الأمر، بالمجمل العدد الكلي للمرافق الصحية العامة التي لا تثقل كاهل المواطنين بالتكاليف قليل مقارنة بتعداد السكان في مجمل شمال وشرق سوريا، ركزنا على الرقة ودير الزور بسبب المعاناة الواضحة في هذا القطاع، ولا يعني أن المدن الأخرى مستوفية الخدمات، ففي مدينة قامشلي، أكثر من 95% من الخدمات الصحية تتم عبر المشافي الخاصة والعيادات الخاصة، مع وجود دور طفيف للهلال الأحمر الكردي، الى جانب مشفى القلب والعين الذي ادخل في الخدمة في السنة الفائتة ويقوم بعمل نوعي، لكنه يعد الوحيد من نوعه في شمال وشرق سوريا ولا يمكن سد احتياجات جمع المرضي. بالمجمل يمكن القول ان القسم الأعظم من العمل الصحي والطبي أما تقوم به المنظمات الدولية والمحلية أو القطاع الصحي الخاص في المنطقة، الامر الذي يضع الادارة الذاتية في وضع حرج للغاية بهذا الخصوص.

الجدول التالي يبين عدد من المشافي العامة دون المستوصفات والنقاط الطبية المنتشرة في المدن والبلدات، ونوعية الخدمات التي تقدمها، بالاضافة الى الجهات المسؤولة عنها، والبيانات مأخوذة من بيانات وزارة الصحة في الادارة الذاتية المحدثة بتاريخ 15\12\2021

الاقليم

البلدة\المدينة

نوع المركز

الجهة الداعمة

الخدمات الصحية التي تقدمها المركز

دير الزور

الكسرة

مشفى عام

ميديكال ريليف، ريليف انترناشونال- جمعية سوسن، الهلال الأحمر الكردي

معاينات، اسعافات أولية، غسيل كلى، حوضن، ولادات

دير الزور

البصيرة

مشفى عام

ريليف انترناشونال

اسعافات أولية، نسائية، قسم حواضن، ولادات

دير الزور

جديد بكارة

مشفى عام

مجلس دير الزور المدني

اسعافات أولية، نسائية، قسم حواضن، ولادات

دير الزور

صور

مشفى عام

مجلس دير الزور المدني

اسعافات أولية، معاينات، لا يوجد فيها اجهزة اشعة، أو مخبر، أو غرفة عمليات

اقليم الفرات

كوباني

رعاية صحية

MRFS

اسعاف + جراحة عامة +عظمية +داخلية + أشعة + تحاليل

اقليم الجزيرة

ديرك

مشفى عام

هيئة الصحة + UPP

كافة الاختصاصات و اسعافات ومعاينات +ولادات و عمليات جراحية

 

الحسكة

مشفى عام

هيئة الصحة

كافة الاختصاصات واسعافات+معاينات +ولادات و عمليات جراحية

 

عامودا

مشفى عام

هيئة الصحة

اسعاف ومعاينات

 

بالمختصر يمكن القول أن عدد المرافق الصحية والطبية ونوعية الخدمات التي تقدمها من حيث الجودة والكم لا تلبي احتياجات المنطقة حيث تشير تقاريرالأمم المتحدة أن ما يزيد يزيد عن 1.9 مليون نسمة بحاجة الى مساعدات انسانية من ضمنها المساعدات الصحية بمختلف جوانبها الجسدية والنفسية. وافتقار المشافي والمستوصفات الى المواد الاسعافية الضروية والمعدات الجراحية وغيرها تشكل عقبة حقيقة في دعم القطاع الصحي، ما دامت المنطقة تعتمد بشكل مباشر على المساعدات القادمة من مناطق سيطرة الجيش التركي وتلك المحتلة منها، اي المساعدات القادمة عبر معبر باب الهوى، ومن جهة أخرى تبقى المنطقة تحت رحمة دمشق لتقديم المساعدات الانسانية الخاصة بالأمم المتحدة وغيرها، وتشير الحادثة التي وقعت مؤخرا بين دمشق والادارة الذاتية، حيث أرجأت دمشق ايصال 85 متر مكعب من الأدوية واللوزام الطبية الى الادارة الذاتية، وتم تأخير التسليم تسعة أشهر، وكان من شأنه أن صلاحية العديد من الأدوية انتهت، والكثير من هذه الحوادث تحدث بين حين وآخر، وكذلك تقوم الحكومة السورية باستغلال نصيب المنطقة من الأدوية واللوزام الطبية حيث تقوم بتسليمها للمشافي والمستوصفات العائدة لسيطرتها، وبحسب تقرير أطباء من أجل حقوق الانسان فإن 31 بالمئة من المرافق الطبية استفادت من المساعدة الانسانية المقدمة من دمشق خلال سنة 2020. أما بخصوص الادوية واللوزام القادمة من معبر باب الهوى، فهي لا تقل تعقيدا من العلاقة مع دمشق، حيث أنه على المساعدات ان تعبر ما يعادل  275 ميل للوصول الى المناطق المختلفة في شمال شرق سوريا، وهذه المسير محفوف بالمخاط، الى جانب الضرائب والاتاوات التي يأخذها كل فصيل حينما تمر القافلة في منطقة نفوذه، والهجمات التي قد تتعرض لها القوافل المحملة بالمسلتزمات الطبية.

بالمجمل تعاني العديد من المدن والبلدات من نقص في الخدمات الصحية، وخصوصا المناطق الريفية منها في دير الزور والرقة، وريف الحسكة، ويستدعي التدخل فيها مراعاة العديد من العوامل التي ذكرت آنفا، والبحث عن استراتيجيات مناسبة لسد العجز والتصدي للتحديات اللوجستية والأمنية في تلك المناطق.

الكادر الطبي:

تشير توصيات الأمم المتحدة أنه ينبغي أن يكون لكل 10000 نسمة 22 كادر صحي ما بين الأطباء والممرضين، وفقا لهذه التوصية تبدو المنطقة في أزمة حقيقة، وجدير بالذكر أن الكثير من النقاط الطبية والمستوصفات لا تحتوي على طبيب اخصائي، فقط ممرضون ممتهنون يقوم بأدوار الأطباء في الحالات الاسعافية والمعاينات الطبية، يبدو أن العدد أدنى بكثير من توصيات الأمم المتحدة ولو بضم العاملين في القطاع الصحي الخاص. نقص الكادر الطبي يعود الى عدة اسباب، اهمها الهجرة لخارج البلد، بالاضافة الى انقطاع عدد كبير من الطلاب عن الدراسة في الجامعات الطبية في الجامعات السورية خوفا من ظروف الحرب وهربا من خدمة الجيش السوري، كما أن عددا من الاطباء والكوادر الصحية يعلمون في غير اختصاصاتهم لدى المنظمات المحلية غير الحكومية أو المنظمات الدولية سعيا وراء ظروف معيشية أفضل، حيث ان رواتب المنظمات غير الحكومية تعادل اضعاف مضاعفة لرواتب الادارة الذاتية، كذلك وكما يقول طبيب في دير الزور، أن الاطباء والكوادر الصحية لا ترغب العمل مع الادارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية خشية الاعتقال لاحقا من قبل النظام السوري، أو حين الهجرة من شمال وشرق سوريا الى تركيا سعيا وراء الهجرة لأوروبا، ناهيك عن ضعف الفرص المناسبة التي تقدمها الادارة الذاتية لهم، كل هذه العوامل تلعب دورا مهما في نقص الكادر الطبي في المنطقة. في تقرير اطباء من اجل حقوق الانسان، شهد طبيب من مدينة دير الزور أن الطبيب في المشافي العامة يعاين ما بين 40 – 50 مريض خلال ساعتين، ويكون في ذات الوقت ما يقارب 150 – 200 مريض في الانتظار. نقص الخدمات الصحية في بعض المناطق المتوترة أصلا مثل دير الزور التي يسيطر النظام السوري على الجزء الغربي من نهر الفرات، وقوات سوريا الديمقراطية على القسم الشرقي منها، يزيد من حالة التوتر والعزلة لدى الأهالي، بشكل لا يعود الامر مرتبط بالوضع الصحي وحسب، بل تتدخل فيها النعرات الطائفية والقومية والعشائرية، وهذا ما يحدث عادة في ظروف النزاعات المفتوحة حيث يمكن لأي شيء مهما كان ضيئلا وهامشيا أن يتحول ان سببا للنزاع. وبالنسبة لهذه المناطق حتى حين يتوفر الكادر الطبي المناسب فآنهم يفضلون العمل في المدن الكبيرة حيث الأمان متوفر، خصوصا في الحسكة والقامشلي، وكذلك تفعل المنظمات الدولية العاملة في القطاع الصحي، حيث أن معظم كودرهم الطبية ونقاطهم الطبية تتركز في المدن الكبيرة، باستثناء بعض النقاط الطبية غير الثابتة. كذلك في هذه المناطق المتوترة لا يحصل كادرها الطبي من ممرضين وممرضات ومساعدين طبين على الدورات اللازمة لهم بعكس نظرائهم في المدن الأمنة مثل الحسكة والقامشلي. لكن ينبغي ذكر ان تلك كثير من تلك المناطق الريفية كانت غير مخدمة أصلا من الناحية الطبية وكذلك تفتقر الى غيرها من الخدمات، وجعلت الحرب ظروفهم اصعب وامر مما كانت عليه سابقا.

في تقرير منشور من قبل INTEGRITY  بالتعاون مع Express France تم استجلاء العديد من النقاط المهمة حول الكادر الطبي من حيث نقص اعدادهم وكفاءتهم، وفيها ذكر أن نقص في كفاءة الكوادر العاملة في المرافق الصحية في مختلف الاختصاصات(النسائية، الجراحة، التخدير، التمريض، الولادة، المختصون المخبريون...الخ)، وأن عدد كبير من الناس يسعون الى الوظائف الطبية ولو أنهم لا يحملون الشهادات الطبية أو ذات الصلة، وأن التدريبات الطبية التي تجرى من قبل المنظمات ليست ذات جودة عالية نتيجة غياب المدربين بالمتمرسين، وتذهب التدريبات سدى عندما يغادر الكوادر المدربة المرافق الصحية العامة سعيا وراء وظيفة براتب أفضل، وهناك سوء توزيع، بحسب التقرير، في توظيف الاختصاصات، فحيثما لا يلزم اطباء توليد يوجد أطباء، وحيثما يسلتزم اطباء توليد لا يوجد اي موظف، وجود عدد من موظفين الصحة الغير مؤهلين في المرافق الصحية ويتم توظيفهم على انهم مؤهلون، يحدث مثل هذا الامر بكثرة في المناطق الريفية والبلدات النائية. 6

تشير بيانات وزارة الصحة في الادارة الذاتية الى أن عدد الممرضين والمخبرين العاملين في المشافي العامة يعادل بالتتالي: 1028 ممرض، 98 مخبري، ولا يوجد بين ايدينا تقييم يخص كفاءة هذا الكادر العامل في المشافي العامة في مختلف المناطق.

المخبريين

الممرضين

الإقليم

45

385

الجزيرة

6

89

الطبقة

11

221

الرقة

5

81

منبج

3

65

كوباني

28

187

دير الزور

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في حين تشير البيانات من ذات المصدر الى أن اعداد مجمل الاطباء العاملين في المشافي والمستوصفات الحكومية في شمال وشرق سوريا تقارب 363 طبيب، بينما عدد الصيادلة العاملين في القطاع الحكومي يقارب 38 صيدلي.

 

المنطقة

عدد الاطباء

عدد الصيادلة

دير الزور

64

5

منبج

16

3

كوباني

45

15

طبقة

47

2

الرقة

25

8

الجزيرة

145

4

مشفى القلب والعين

21

1

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هذا وتجدر الاشارة إلى أنه لا يوجد بين ايدينا بيانات توحي بكفاءة الاطباء العاملين في القطاع الصحي العام، ويبدو أن وزارة الصحة لا تقوم بمثل هذه التقيمات لكادرها الصحي لقياس انجازها والجودة التي تنجز بها، وكذلك يستدعي البحث عملية مسح دقيقة لتحديد الاحتياجات المتنوعة من الاختصصات الطبية في مختلف المدن والبلدات الى جانب جهزوية المرافق الصحية من مشافي ومستوصفات. بناء على الاعداد المذكورة في البيانات ومقارنتها بتوصيات الامم المتحدة، أن لكل 10000 نسمة 22 كادر طبي من اطباء وممرضين ومخبريين، نجد أن العجز هائل في المرافق الصحية العامة، ما يجعل الناس يتوجهون الى العيادات الخاصة او المشافي الخاصة، أو السفر، لمن استطاع، الى دمشق  وحلب، وقلة قليلة جدا قد تلجأ الى الدول الجوار من اجل العلاج.

الاستجابة الاسعافية للحالات الطارئة:

تعد الاستجابة السريعة للحالات الصحية الطارئة أحد أهم مقومات القطاع الصحي في اي نظام صحي، وعماد هذه الاستجابة هو الكادر المختص بالاستجابة السريعة والمعدات الضروية لذلك والمرافق الصحية من مشافي ومستوصفات مهيأة للاستجابة لوجستيا وطبيا. لم نجد اي دراسة تختص بجودة هذه الاسجابة في مختلف المدن والبلدات، لكن للوهلة الأولى يمكن التركيز كنقطة بداية على عدد سيارات الاسعاف العاملة في كل مدينة واقليم وانطلاقا منها يمكن تتبع فعالية الاستجابة السريعة للحالات الطارئة. تتوزع الاستجابة للحالات الاسعافية بين هيئات الصحة في الاقاليم وبين الهلال الأحمر الكردي. يبين الجدول التالي عدد سيارات الاسعاف في مختلف المدن في شمال وشرق سوريا.

المدينة

العائدة لهيئة الصحة

العائدة للهلال الأحمر الكردي

دير الزور

6

1

الرقة

4

5

الطبقة

8

1

منبج

11

3

كوباني

11

3

الجزيرة ( قامشلي – الحسكة، والنواحي)

23

36

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يمكن الاستشهاد مجددا بمقول الطبيب في تقرير اطباء لأجل حقوق الانسان، وهو ان المرضي يموتون في الطريق قبل الوصول الى المشفى بسبب سوء خدمة الاسعاف في المنطقة. هذا وكما قلنا، ليس هناك تقييم واضح للكادر الطبي أو امكانية البحث في  السياسات الاستجابة السريعة لمختلف الحالات الطارئة، وهو امر لابد منه كي يتم تطوير هذه الاستجابة، بالاضافة الى مسح شامل للمنطقة بخصوص انماط الحالات الطارئة وتحديد الاستجابة المناسبة لها من خلال تأمين كافة المستلزمات الضروية لأجل ذلك. وما يزيد خدمة التدخل السريع في الحالات الاسعافية، كما ذكر سابقا هو سوء الوضع الأمني في كثير من المناطق الريفية في دير الزور وريف الحسكة والرقة، ما يجعل تحرك سيارات الاسعاف ليلا أمرا بالغ الخطورة، كما أن عدم وجود شوارع معبدة في تلك المناطق يجعل تحرك السيارات بالغ الصعوبة خصوصا في فصل الشتاء.

الاستجابة لجائجة كوفيد 19:

صدمة الجائحة لم تزل تلقي بظلالها على الكثير من دول العالم التي لم تزل تشدد على ضرورة اجراءات الحماية والوقاية الى جانب ضرورة التطعيم الذي غدا اجباريا في كثير من المرافق العامة والمؤسسات، أما  في البلدان الفقيرة، وخصوصا التي تعاني من نزاعات مفتوحة فقد كانت وطأة الجائحة أكبر بكثير لعدة اسباب، اهمها غياب البنية التحتية الصحية في تلك المناطق، وكذلك قلة الوعي الصحي عموما، بالنسبة لشمال وشرق سوريا، كان الاثر أقرب للرعب على الناس ومؤسسات الادارة الذاتية التي لجأت مرارا الى فرض حظر كلي وحظورات جزئية من حين لآخر، كان سببا في توتر العلاقة بين المواطنين والسلطات نتيجة سوء احوالهم المعيشية وصعوبة العيش دون العمل يوما بيوم. بالمجمل كانت استجابة الناس لبروتوكولات الحماية من الفيروس ضعيفة جدا مثل غيرها من المناطق في سوريا وفي دول الشرق الأوسط، والسبب في ذلك يعود الى معتقدات ثقافية تقلل من شأن الجائجة والسبب الآخر كان ماديا اذا وجد الفقراء صعوبة في تلبية احتياجات الوقاية من معقمات لليد والكمامات وغيرها من الاجراءات التي كادت تقلب حياتهم الاجتماعية رأسا على عقب. دون الخوض في هذه التفاصيل التي تبدو متماثلة في جميع البلدان الفقيرة ويشترك معهم اعدادا كبيرا من المقيمين في المجتمعات الغربية. على أي حال في شمال وشرق سوريا كانت الاستجابة متأخرة نسبيا، وكانت الاستجابة بمثابة امتحان حقيقي للمؤسسات الصحية بمختلف تشكيلاتها من مشافي ومستوصفات، وأوضحت ضعف التنسيق بين مختلف الفاعلين الميدانيين. كانت لجائحة كورونا تأثير على مختلف قطاع الصحة، حيث ركز الداعمون مختلف جهودهم على مواجهة الجائحة مهملين بقية المسلتزمات، وهو ما حصل ليس في شمال وشرق سوريا وحسب بل في شمال غرب سوريا ايضا. يمكن القول ان الاستجابة للجائحة كانت ضعيفة وغير مستقرة أي غير مستمرة، تتبعت الاستجابة موجات الجائجة، فحينما تنتهي الموجة يتوقف التمويل من الجهات الداعمة وتغلق المراكز المعدة للتصدي للجائحة أو العناية بالمرضى، وحين الموجة الثانية تكون معظم المراكز غير فاعلة وهو ما حدث في دير الزور والرقة وكثير من المناطق الاخرى. تركزت المعضلة الاساسية في المنطقة في قلة خدمات العناية للمرضى ذوي الحالات الحرجة في مختلف المناطق، يذكر أنه كان في مركز كوفيد 19 في مدينة دير الزور 40 سرير في حين كان عدد المرضى المحتاجيين للعناية 130 مريض، لذا اضطر المرضى الى جلب فرش من المنازل والاستلقاء على الأرض، طبعا كلهم كانوا بحاجة ماسة الى الاكسيجين. طبعا من الصعوبات التي لم تزل موجودة في شمال وشرق سوريا هي اختبار كوفيد 19، الذي ظل غير متوفر في المنطقة بأكلمها لعدة اشهر بعد بدء الجائحة، ما جعل السلطات تبعث العينات من قامشلي الى دمشقن على ان يتم الحصول على النتائج خلال 48 ساعة، وبعد توفر جهاز الفحص (PCR) لم تزل العجز في تأمين مواد الاختبار قائما، ويحدث أن تتوقف الفحوصات لغياب مواد الفحص، طبعا يوجد فقط مختبر واحد لجميع المقيمين في شمال وشرق سوريا! ونتيجة العجز الواضح في قدرات هذا المختبر اليتيم في تتبع حالات الاصابة، اصبح الناس يشكون بالتقارير الصادرة عن الهيئات الصحية عموما، كان سببا آخر للتقليل من اهمية الارقام الرسمية وخطورة الجائحة.

تشير بيانات وزارة الصحة إلى أن عدد المراكز الصحية المعدة للتصدي لجائحة كوفيد 19 هي 15 مركز تتوزع بين مختلف المدن والبلدات، تضمت ما يعادل 72- 740 سرير للعناية الفائقة، وبالتالي شمل العجز الاسرة واجهزة تزويد المرضى بالاكسيجين وعبوات الاكسيجين، بالاضافة على بروتوكولات العناية والحماية.

ما ينبغي البحث عنه بعد موجات الجائحة الثلاث التي مرت على المنطقة، ليس النقص والعجز في المسلتزمات الطبية الضرورية للتصدي للجائجة وعلاج المرضى، بل الدروس التي استفادت من السلطات الصحية والمدنية في المنطقة من أجل التصدي لغيرها من الجائحات ان حدثت، اي يستلزم الوضع تشكيل لجنة تنسيق بين مختلف الهيئات الصحية والمدنية، ووضع آليات ونظم عمل مشتركة وفق سياسات واجراءات واضحة، وهو أمر يبدو لم يزل بعيد، اضافة الى ذلك أكدت جائحة كوفيد الخلل الاعلامي في تقارير الهيئات الصحية، وضعفهم في نشر حملات التوعية الصحية الفعالة بين المواطنين، وكان لذلك اثر سلبي على استجابة المواطنين عموما للجائحة وسببا لانتشار الشائعات والاخبار الكاذبة، في دراسة قامت بها منظمة (Reach) اشارت ان 70% من المواطنين ابدو توجها ايجابيا لنيل العلاج حينما سمعوا حول قصص من عانوا سابقا من شدة الاعراض. 5 لعل عدم وجود موقع الكتروني فعال لوزارة الصحة في الادارة الذاتية وغياب البرامج الصحية التثقيفية والتوعوية هو خير دليل على الفقر الاعلامي لدى جهاز الصحة عموما، بالاضافة الى غيرها من النواقص اللوجستية وتلك المتعلقة بالكفاءة الادارية.

آليات التنسيق بين مختلف الفاعلين في قطاع الصحة في شمال وشرق سوريا:

تعاني آليات التنسيق الكثير من التحديات والصعوبات ضمن هيئات الادارة الذاتية الصحية، وبين المنظمات العاملة في القطاع الصحي، حيث يغيب الى لحظة كتابة هذه الدراسة منهجية تنسيق واضحة بينهم. معلوم أن معظم المنظمات الدولية العاملة في القطاع الصحي في المنطقة، والمحلية منها تعمل تحت مظلة برنامج الأمم المتحدة التي تديرها مكتبها في غازي عنتاب، تشمل 37 منظمة عاملة في القطاع الصحي سواء في ادارة المشافي او المستوصفات او النقاط الطبية الثابتة والمتنقلة، لكن بالرغم من أنها تعمل تحت مظلة واحدة، إلا ان المنطقة لا تزال بحاجة الى تقييم شامل للوضع الصحي، وهو امر يحدث بشكل جزئي هنا وهناك، ولا يتم استثمارها في وضع خطط فعالة واستراتيجيات فاعلة من اجل التصدي للتحديات الصحية، على أن الادراة الذاتية كونها السلطة المدنية في المنطقة، مسؤولة بالدرجة الأولى للقيام بهذه المسؤولية، لولا أن نقص الخبرات وقلة الكفاءات في هيئات الصحة تجعل المهمة صعبة، ومهملة في النهاية.  غياب السياسات الصحية في مختلف الهيئات الصحية في المدن والبلدات يعد تحديا حقيقا أمام تحسين الأوضاع الصحية التي لا تعتمد فقد اللوازم الطبية والمرافق الصحية، بل أن غياب السياسات وآليات التنسيق بين مختلف الهيئات الصحية، وغياب تقييم الانجاز الاداري كلها تعد خطوات اساسية نحو تطوير بنية ونوعية الخدمات الصحية والطبية.

الأمراض المنتقلة والامراض المزمنة:

تنقسم الامراض الى امراض معدية تنتقل من شخص لآخر بعدة طرق أهميها عبر التنفس واللمس، وتوجد طبعا الامراض الجنسية مثل الايدز والسيلان. شخصيا وأنا اجري هذه الدراسة ( المبسطة) حول الوضع الصحي، فوجئت بمعلومة محشورة في ملفات وزارة الصحة في الادارة الذاتية، وهو ان المشفى العام في منبج يختص باللقاحات وعلاج مرضى السل، حسنا، لم أقرأ بعد اي ورقة احصائية حول انتشار مرض السل في المنطقة، ولا احتى الايدز وغيرها من الأمراض المنتلقة عبر الجنس أو اللمس او عبر الهواء. ضرورة الالتفات الى مثل هذه الامراض ضروري جدا، خصوصا في ظل غياب البنية التحتية الصحية في المنطقة، لأنه يستدعي التحكم بالامراض المنتقلة ( المعدية من شخص لآخر) بسرعة وتطويقها في منطقة جغرافية محددة قبل انتشارها الى بقية المناطق. في مثل هذه الظروف الصحية السيئة في العديد من المناطق التي تعاني من نقص مياه الشرب، وخلل في شبكات الصرف الصحي، الى جانب عوز في الغذاء والعناية الخاصة بالأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، ينبغي توقع ظهور مثل الكوليرا والسل والتهاب الكبد الحاد وغيرها. هذا وأنه، بالرغم من غياب احصائيات موثوقة حول انتشار المخدرات والعقاقير في مختلف مدن وبلدات شمال وشرق سوريا، وما ينتج عنها من اضطرابات ومضاعفات مرضية جسديا ونفسيا، كما ان العقاقير المحقونة حقنا عبر الابر، من شأنها أن تكون مصدرا للامراض المنتقلة عبر الدم، والحقيقة انه لا توجد حتى الآن بحثا فعالا عن هذه الكوابيس التي لا يرجو احد انتشارها في منطقة لم تزل تعاني من نقص حواضن الاطفال وغرف العمليات، وسيارات الاسعاف.

 في تقرير الامم المتحدة الصادرة في آذار   2021 4 ، يشار الى ان 45% من الوفيات في سوريا تحدث بسبب الامراض القلبية، الاصابات، مرض السكري، وغيرها من الامراض غير المنتلقة  بين الافراد، علما بأن النسبة، وفق نفس التقرير، قد ازدادت 40% عن الفترة السابقة للحرب، تفسير هذه الامر يعود الى اوضاع الحرب وسوء شبكة الماء والصرف الصحي، كما ان نقص الادوية وعدم جهزوية المرافق الصحية عموما في سوريا، تتباين المناطق في ذلك، كما ان صعوبة الوصول الى مراكز الخدمات الطبية، وعدم وجود فرق التدخل السريع للحالات الطارئة وغيرها من الاسباب تفضي الى زيادة هذه النسبة.

يستدعي تتبع الامراض المعدية القاتلة تأسيس آليات الانذار المبكر في مختلف المناطق، خصوصا في تلك التي تشير المؤشرات الى احتمالية متزايدة لظهور الامراض المعدية. من اجل تأسيس انظمة الانذار المبكر لتقصي الامراض يستدعي الامر تعاونا وتنسيقا بين المؤسسات الصحية والمواطنين بنفسهم، وهو نظام ضروري أكثر من اي وقت مضى، بالرغم من الصعوبات المحفوفة بتطبيقها ميدانيا وبشكل فعال، لكن ينبغي العمل عليها ولو في منطقة واحدة في شمال وشرق سوريا عل سبيل التجربة. غياب مثل هذا النظام في المنطقة، الى جانب قلة التنسيق بين مختلف الهيئات والجهات العاملة في قطاع الصحة، وقلة الدعم الطبي وعدم استمراريته، وكثرة مخلفات الحرب وانتشار المولدات الكهربائية وسوء التدفئة في الشتاء، وغيرها الكثير من الأسباب توحي باحتمال ظهور الكثير من الامراض وارتفاع نسبتها بين المواطنين، ولعلها الكثير منها موجودة دون أن يعلم به أحد، مثلا فيما يتعلق بالانشار الكبير لمرض اللشمانيا في ديرو الزور مؤخرا منذ منتصف 2020، حيث تم الابلاغ عن الكثير من الحالات، ولا تزال الارقام في تزايد بالرغم من التدخلات الطبية التي لا يمكن ان تكون ناجعة ما لم يتم العمل اسباب انتشار ذبابة حلب، وهي تلخص في المياه الملوثة وقلة النظام في الشوارع بسبب انتشار القمامة وغيرها.

أما بالنسبة للامراض غير المنتلقة مثل الامراض القلبية والسكري والامراض المعوية المختلفة، فلا يوجد لحد هذه اللحظة مسح واضح لانتشارها في مختلف المدن والبلدات، وذلك على عدة مستويات تتعلق بالجندر، العمر، الوضع المعيشي، وغيرها من المؤشرات، غياب هذا المسح الدقيق يعطل القدرة على وضع الخطط المناسبة من اجل التصدي لهذه الأمراض وتقليل الوفيات والامراضية عموما، مثل هذه المسوح ينبغي ان تقوم به الهيئات الصحية في المنطقة وفق معايير بحث متفق عليها، من اجل مشاركتها مع المركز والعمل على وضع خطط استجابة، لكن ما يحدث هو ان المنظمات الدولية هي التي تقوم بمثل هذه المسوح من اجل دعم خطط الاستجابة لديها، وهي خطط مجزأة عموما، لا تخدم بناء الاستراتيجية الصحية الطويلة الامد في المنطقة. خلال تعاملنا مع العاملين  في وزارة في الادارة الذاتية تبين ضعف الامكانات البحثية والتحليلية لديهم، ويمكن التنبؤ بهذا العجز حين البحث في البيانات الاحصائية لوزارة الصحة ومستويات التحليل فيها. تشكل نقص الكفاءة الخاصة بالبحث ودراسة الوضع الصحي من عدة جوانب، عجزا واضحا ينبغي ايلاءه اهمية قصوة مثلها مثل المسلتزمات الضرورية لحماية الحياة.

حين الحديث عن خطة محكمة للوقاية من الامراض، لابد من الاشارة الى الاوضاع الصحية في المخيمات خصوصا، فهي بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المنظمات الدولية تظل نقاط فعالة لانتشار الامراض المعدية، يستدعي دراسة الاوضاع الصحية والمتطلبات اللازمة دراسة ميدانية معممة على مجمل المخيمات وخصوصا المزدحمة منها مثل مخيم الهول. تبقى التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية العاملة في المخيمات ناقصة أو مجزأة كأن تسبر منظمة الامراض المستوطنة في المخيم، وتعمل منظمة اخرى بمسح مرافق الصرف الصحي أو جودة التغذية لدى المقيمين في المخيم، على أن كلا المسحين مترابطين أحدهما يفسر بالآخر، لكن قلة التنسيق هي اشبه بمتلازمة عامة في عموم القطاعات المحلية والدولية منها، وهو امر يلقي بظلاله على مختلف القطاعات ومنها قطاع الصحة.

امكانية الوصول الى الخدمات الصحية:

تعد هذه الفقرة بالغة التعقيد منذ البداية، ولابد من اجراء مسح خاص بها في مختلف المناطق من اجل تحليل التحديات والصعوبات التي يواجها الناس من احل الوصول الى المرافق الصحية والطبية، ويستلزم، من اجل تحليل دقيق، ان يتم البحث مع مراعاة كون المرضى ذكور أو اناث، اطفال، كبار السن، العاجزين، وغيرها من المعايير التي ستساعد في تحليل التحديات الخاصة بكل نمط من الامراض وحالات العجز بين مختلف شرائح المجتمع، ومختلف المناطق، وبناء على ذلك سيتم وضع خطة صحية من اجل تذليل العقبات وتلبية الاحتياجات قدر الامكان، دون هذه المسوح النوعية لا يمكن إلا الحديث عن الوضع العام، وهو وضع يختلف كثيرا من منطقة لأخرى، من شريحة مجتمعية لأخرى. لكن يمكن الاشارة الى عدة تحديات تجعل الوصول الى المراكز الصحية تحديا لعدد كبير من المواطنين المحتاجين، وهي اسباب ذكرت آنفا، تتعلق بالاوضاع الامنية، قلة الطرق المعبدة في كثير من المناطق، نقص سيارات الاسعاف، تموضع المرافق الطبية الرئيسية في المدن بعيدا عن الارياف التي تشكل المساحة الأوسع من المناطق الآهلة بالسكان، كل هذه الاسباب تستوجب استراتيجية متضافرة نوعية قد تختلف من منطقة لأخرى.

التوصيات:

  1. بناء قدرات الهيئات الصحية في مختلف المدن والبلدات على اجراء المسوحات الصحية المبنية المتراكبة، اي التي تعتمد عدة مؤشرات متضافرة، وتعزيز قدراتهم على انظمة تحليل البيانات، وعلى بناء خطط الاستجابة ووضع الاستراتيجيات النوعية لكل هيئة صحية بحسب الاحتياجات.
  2. ينبغي دعم الهيئات الصحية في بناء قدراتها الالكترونية وتصميم موقع خاص بهم، يضم الدراسات والبحوث والاحصاءات التي تحصلوها من المسوح، وكذلك نشر تقارير يومية وشهرية حول الوضع الصحي في المنطقة، غياب مثل هذا الموقع يشكل عجزا كبيرا في تطوير قطاع الصحة، ويقلل من فرص التنسيق من اجل وضع استراتيجيات متضافرة لتحسين الوضع الصحي.
  3. تطوير قدرات الهيئات الصحية على الحملات الصحية واتباع المناهج الحديثة في مثل هذه الحملات، فيما يتعلق بتصميم الحملات وتنفيذها عبر شتى الوسائل الناجعة من اجل التصدي لانتشار الامراض والتوعية الصحية العامة بين المواطنين.
  4. تقييم انجاز وفعالية الكوادر العاملين في قطاع الصحة سواء الاداريين أو الطبيين وذلك بشكل دوري، من اجل وضع الخطط اللازمة لتطوير القدرات ومشاركتها مع الجهات الداعمة الساعية لتحسين الوضع الصحي.
  5. ضرورة تأسيس قاعدة بيانات صحية عامة، وتطوير خارطة تفاعلية تبين مجمل المرافق الصحية والبرامج المنتشرة في المنطقة، الى جانب العوز في القطاع الصحي في كل منطقة.
  6. العمل على خلق آليات فعالة بعيدة عن مركزية القرار في قطاع الصحة، اي تطبيق اللا مركزية بين الهيئات الصحية التي ينبغي ان تعمل على سياسات صحية تناسب مناطقها، على ان تكون تصب السياسات في صالح تطوير وتحسين القطاع الصحي.
  7. ضرورة وجود هيئة صحية تشرف على الوضع الصحي في مختلف المخيمات المتواجدة في المنطقة، من اجل التنسيق مع المنظمات والفاعلين في قطاع الصحة بمختلف جوانبه الطبية، مياه الصرف الصحي، الغذاء، الصحة النفسية، وتكون من مسؤلويتها تقييم وتحليل المعطيات الصحية في المخيمات من اجل وجع خطط تحسين وتطوير قطاع الصحة عموما.
  8. على وزارة الصحة والهيئات الصحية، ان تضع خطة استجابة للوضع الصحي من خلال استراتيجيات قصيرة، متوسطة، وطويلة الامد، ومشاركة الخطة مع المنظمات الدولية والداعمين الدوليين من اجل الدعم المادي والتقني الذي قد يتنباين من منطقة لأخرى بحسب.
  9. تشكيل خلية صحية خاصة بالامراض المنتقلة بين الأفراد، من ضمنها كوفيد 19، وغيرها من الامراض مثل السل والتهاب الكبد، اللشمانيا، الايدز، على ان تشرف هذه الخلية على دراسة حالة هذه الامراض وانتشارها ومتطلبات التصدي لها طبيا واعلاميا.
  10. تشكيل نظام انذار مبكر يكون فيها الهيئات الصحية، المنظمات المدنية، والمنظمات الدولية، والمواطنين جزءا في تتبع الامراض والتصدي لها بسرعة من خلال تنسيق الجهود وتوفير المتطلبات والخدمات الضرورية.
  11. ضرورة البحث في سبل ايصال المساعدات الطبية على شمال وشرق سوريا، وضمان الامم المتحدة لايصال نصيب المنطقة من المساعدات بالشكل الامثل ضمن الجدول الزمني المتفق عليه وبحسب الاحتياجات المقدمة لهم من قبل وزارة الصحة في الادارة الذاتية.
  12. ضرورة اجراء لقاءات دورية بين مختلف المنظمات والهيئات الصحية في المنطقة من اجل البحث في الوضع الصحي في مختلف المناطق، وتقييم الاستجابة الانسانية في قطاع الصحة خصوصا.
  13. لأن تحسين الوضع الصحي قد يستغرق امدا طويلا، ينبغي اللجوء الى استراتيجيات مرحلية بالنسبة للمناطق غير المخدمة كفاية في ريف دير الزور، الرقة وريف الحسكة، وذلك من خلال نشر نقاط طبية في المنطقة تقوم بتقديم الدعم للمرضى العاجزين عن التنقل بسبب امراضهم أو صعوبة الوصول الى المرافق الصحية. وجود احصائية للمرضى الحرجين في تلك المناطق والقيام بزيارات دورية من اجل العناية بهم قد تكون خطة مؤقتة.
  14. ضرورة تدريب وتأهيل القابلات القانونيات في المناطق الريفية البعيدة عن المركز من اجل الاستجابة للحالات المتزايدة من الولادات وصعوبة الوصول الى المرفق الطبية المتخصصة.
  15. تدريب وتأهيل الكوادر الطبية عموما على السياسات الصحية في المشافي والمرافق الصحية، بخصوص مختلف الامراض، خصوصا المعدية منها.
  16. ضرورة تبني المنظمات الدولية العاملة في قطاع الصحة سياسة تحسين قدرات المشافي العامة وبناء قدرات العاملين فيها ،وهذا جزء من استراتيجية طويلة الامد لتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الصحة.
  17. على الادارة الذاتية ان تحسن من ظروف العاملين لديها من حيث الرواتب والحوافز كوسيلة لجذب المزيد من الكوادر للعمل في المرافق الصحية العامة.
  18. على وزارة الصحة أن تؤمن الظروف المناسبة للمنظمات الدولية من اجل العمل في القطاع الصحي خصوصا في المناطق النائية، من خلال تأمين الحماية لهم وغيرها من المتطلبات.
  19. على وزارة الصحة، والهيئات الصحية ان تضمن عدم التفرقة في توزيع الموارد الصحية في مختلف المدن والمناطق، اي لا ينبغي ان تتدخل التوترات السياسية في السياسة الصحية، ينبغي ان تكون الحاجة هو الاساس الذي يعتمدون عليه في تقديم الخدمات وتوزيع المستلزمات الطبية.
  20. دعم وتعزيز القيادة لدى السلطات الصحية في شمال وشرق سوريا في اتخاذ القرارات الصحية بناء على الاحتياجات وليس أي شيء آخر، من اجل زيادة ثقة المجتمع المحلي بهم، وزيادة شرعية العمل الذي يقومون به، وزيادة المجتمع المحلي للارشادات والسياسات الصحية.
  21. دعم وتقوية المبادرات المحلية من اجل تطوير قطاع الصحة بشكل تعكس الاحتياجات ورغبات الناس في كل منطقة.
  22. الاسراع بوضع الاستراتيجيات المناسبة من اجل رفد المجتمعات المحلية بالكوادر الطبية من مختلف الاختصاصات، سواء من خلال البعثات الطبية الى دول الجوار أو من خلال التعاقد من الكفاءات من خارج المنطقة، وكذلك تطوير القطاع الصحي الأكاديمي في شمال وشرق سوريا، وكذلك عبر تدريب الكوادر الصحية من خلال معاهد مختصة.
  23. تطوير مناهج هجينة يتم فيها استهداف العديد من القطاعات دفعة واحدة، كأن يتم الربط بين الصحة الجسدية والنفسية وبناء السلام والتنمية المستدامة في المنطقة، وهذا من شأنه ان يربط بين القطاعات المختلفة ويوجهها نحو هدف مشترك واحد.
  24. ايلاء الاهمية بشكل خاص للاطفال من حيث الصحة النفسية والجسدية، اذا غالبا ما لا يتم الاهتمام بالصحة النفسية لديهم، الامر الذي قد يتفاقم لاحقا الى عدة اشكال خطيرة من السلوكيات والمعتقدات.

 

 

 

المصادر:

  1. Physician for human rights, Destruction, Obstruction, and Inaction: The Makings of a Health Crisis in Northern Syria.
  2. Statistic documents of Ministry of health in Autonomous administration of North and east Syria.
  3. Reliefweb resources
  4. WHO emergency Apeal, March 2021.
  5. Humanitarian needs assessment programme, REACH, Barriers to covid 19 relatd health seeking behavior.
  6. Examining the Availability, Quality, and Accessibility of Reproductive, Maternal and Newborn Health Services in Ar Raqqa and Deir-ez-Zor, March 2021, INTEGRITY, FRANCE EXPRESS.
  7. Photo credit: ICRC

Attached Files
Comments (0)

Leave a comment